بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين
ربنا المبارك يسوع ، يا من صمت عنا أربعين يوماً وأربعين ليلة، بسرٍّ لا ينطق به ، حاملاً على أكتافك خطايا البشرية كلها متنقلاً ما بين صخرة وصخرة، وحزنك إلى الآب كان ذبيحة قبل الذبيحة، وإكتئاب نفسك عوضاً عن الخطايا التى إقترفناها وإقترفتها البشرية، كان أمام الآب رائحة ذكية، عادت فإنطبعت علينا ليشتمَّها الآب، رائحة المسيح الصائم عنا. لكى ننال بصومنا دالة معك.
يا ربنا يسوع المسيح، أعطنا أسرار هذا الصوم العميق، أو الأسرار العميقة التى عشتها وأنت تتنقل بين خطايانا ، من خطيئة إلى خطيئة. هذه هى التى أورثتك حزناً على حزن، وهى التى أعدت الطريق إلى الجلجثة بكل رضا وقبول، لأنك فى هذه الأربعين ، يارب ، قست بالشبر خطيتنا طولاً وعمقاً، ولكن ليس جزافاً، ولكن لكى تعطينا بقدر هذا الطول والعرض والعمق والإرتفاع ، تعطينا سر حبك الذى أكتسبته لنا بإتضاعك وآلامك وصلبك ، لكى نستدر به محبة الآب عوضاً عن هذه الخطايا التى بلا عدد.
وإن وقفنا أمامك لنعدد خطايانا ، يارب ، أتكفينا الأيام؟! أى يوم لم يعبر إلا وملأناه وملأنا ساعاته بالخطية بلا عدد؟! فإن كانت أيامنا هذه عددها ، فكم تكون خطايانا؟!
إن كنا نرتل لك فى كنيستك، أن خطايانا صارت كرمل البحر فهذه حقيقة يارب ، ولكنها لم تعد ثقيلة عليك كالأول، لأن الدم المسفوك على الصليب قد رفع ثقلها عنا وعن الآب، ولم تعد ترى إلا عند الذى يكفَرون بدمك وبصليبك. يها الحبيب الصائم عنا، أعطنا قلباً يستطيع أن يحس، لا بخطاياه هو فقط، بل بخطايا الآخرين أيضاً. لأنه كيف نحب الآخرينإن لم نشعر أيضاً بخطاياهم؟ لأن الضعف يستدر الحب. لا نستطيع أن نحب أحداً، يارب ، إن لم نقدم مع توبتنا صلاة أيضاً وحزناً وتوبة مع التائبين، ألم تقل لنا بكاء مع الباكين وفرحاً مع الفرحين؟ كيف نبكى مع الباكين إن لم نشعر بخطاياهم؟ أنت الذى شعرت بخطايانا؟ أعطنا هذا السر. ما أعمق سر صومك يارب! لا نستطيع أن نتكلم عنه أمامك فى الصلاة ، ولكن إعطنا إياه فى تأملاتنا الفردية ، أن يتأمل كل إنسان فى هذه الأربعين المقدسة وماذا إكتسب منها، وماذا توفرت فى نهايتها من أمجاد وعطايا هذا مقدارها، لا للإنسان فقط ، بل للبشرية والأجيال كلها.
يارب لن نكف عن رجائنا ، لن نكف عن إيماننا ، لن نكف عن صلواتنا لأنك أنت سامع الصلاة وإليك يأتى كل بشر وتوزع العطايا. مستحيل، يارب ، أن يأتيك سائل ولا تسمع ولا تستجيب. فأعطنا هذا القلب وهذا الفهم الواعى ، أنك أنت والآب فى السماء لكما قلب وأذن واحدة تسمع بكاء الباكين وصراخ الصارخين. ألا ننادى فى الكنيسة: يا رجاء من ليس له رجاء ؟
نحن يارب نستطيع أن نقول إن رجاءنا ضعف ضعف جداً حتى وكأننا أصبحنا بلا رجاء. نتوسل إليك أن يزداد رجاؤنا بقدر إيماننا، لنرى خطايانا مغفورة أمامك ونستطيع أن نستعيد توبتنا كل صباح أمامك، لنستعيد صلحنا وسلامنا وعهدنا معك كنيستك التى أحببتها تجوز هذه الأيام متاعب بلا حصر، وتمزق وأخبار تلو أخبار وأكاذيب وأوهام أتعبت شعبك وأتعبتنا معهم. أتوسل إليك أن ترسل سلامك من السماء ليعم كنيستك، وأرفع الضيق عن راعيها ، وشدد يارب رعاتها، حتى يكون لنا القلب الواحد أمامك والفكر الواحد فى هذا الصوم المقدس. إصنع عملاً إصنع عملاً يعيد لنفوسنا راحتها وفرحها وسلامها ويعيد لشعبك وحدته وإلتئامه وروحه التى لا تكف فى هذا الصوم عن التسبيح والتهليل إليك .
باركنا ياربى ، كقطيع صغير تسر أن تورثه ملكوتك . إرعنا يارب فى غربتنا، نحن الذين تغربنا بإرادتنا عن العالم ، إحفظ لنا ، يا ربى ، هذه الغربة ولا تجعل لنا نكوصاً ولا عودة لا بالقلب ولا بالفكر إلى العالم. لتكن لنا حياة مستقيمة أمامك بلا لوم، وسيرة طاهرة زكية ، ذات رائحة مقبولة أمامك قوامها الصليب والقيامة ، فنفرح بك ويفرح شعبك بنا، لأنهم قد وضعونا بين يديك ولا ينتظرون منا شيئاً إلا أن يروا حياتنا مقبولة أمامك وأنت إنت إقتنيت كل روح من أرواحنا وكل نفس من نفوس الواقفين أمامك.
باركنا بكل بركة روحية عندك من السماء
